أسرار المرضى والأطباء(د.أطياف اسماعيل اخصائيه نسائيه وولاده)
أسرار المرضى والأطباء
من الأخلاق الحميدة لكل الناس ولكن أولى الناس بها الطبيب أداء الأمانة وحفظ الوديعة وأسرار الناس ولا يجوز إفشاء السر فإنه من الخيانة المحرمة عقلاً وشرعاً فيجب كتمان السر، فمن حق المريض على الطبيب أن يكتم سره.
وكذلك كل المجموعة الطبية والعاملين في القطاع الصحي لأنه كما هو المعروف والمشهور أن العلماء – علماء الدين – والأطباء محارم أسرار الناس، فإن الناس يبوحون بأسرارهم عند العلماء والأطباء فعليهم أن يكتموا الأسرار والخفيات والبواطن فهم أمناء الله في الأرض وخلفائه وأن الله يستر على عباده فلابد للطبيب أن يكون أميناً كاتماً للسر والأمراض الخفية التي توجب نقص المريض لو ابيحت في المجتمع فكثير من المرضى من يبوح بسره عند طبيبه ما لا يبوحه حتى لوالديه ولأقرب الناس إليه.
يقول محمد بن زكريا الرازي: ((واعلم يا بني ، أنه ينبغي للطبيب أن يكون رفيقاً بالناس حافظاً لغيبهم كتوماً لأسرارهم، لاسيما أسرار مخدومه – أي مريضه – فإنه ربما يكون ببعض الناس من المرض ما يكتمه من أخص الناس به مثل أبيه وأمه وولده، وإنما يتكمونه خواصهم، ويفشونه إلى الطبيب)).
كما على المريض أن لا يكتم سره أمام طبيبه، يقول الرازي: ((ومن أعظم الخطأ أنه إذا فعل ذلك كتمه الطبيب، مريداً بذلك دفع نفسه، ومن أخطأ خطأ وكتمه، فقد جنى جنايتين وارتكب خطيئتين، والطبيب لا يهتدي لعلاجه إذا لم يفش إليه سره)).
فهذه قاعدة عظيمة ينبغي أن يراعيها كل عليل، كيلا يضلل الطبيب، فيتأخر شفاءه، أو لا يهتدي الطبيب إلى هذا الشفاء.
وإذا اعتمد المريض على طبيبه واطمأن في كتمان سره، فإنه يقدم على إباحة ما فيه من الأمور التي قد يكون لها أكبر أثر في معرفة حقيقة الداء.
فالتفاعل لابد يكون بين الطبيب والمريض بصدق وصفاء ومحبة، فالطبيب يكتم سر مريضه كما جاء ذلك في وصية ابقراط ((ينبغي أن يكون الطبيب مشاركاً للعليل مشفقاً عليه، حافظاً للأسرار، لأن كثيراً من المرضى يوقفونا على أمراض لهم لا يحبون أن يقف عليها غيرهم)).
يجب على الطبيب ان يحفظ أسرار المريض ولا يفشيها، لا لأقاربه ولا لغيرهم ممن يتصل به، لأن كثيراً من المرضى يكتمون ما بهم على أقرب الناس إليهم حتى والديهم، ويبوحون به للطبيب كأوجاع الرحم والبواسير، ثم إن في هذا الزمن الحديث كثرت عمليات التجميل فمن الناس من يسافر من بلدته إلى بلد ثاني لإجراء العملية لكي لا يعرف به أحد. وكثيراً ما يحدث هذا عند النساء خصوصاً.
فعلى الطبيب أن يحافظ على سر المريض أكثر من المريض نفسه.
وقد عنى الإسلام وفي إطار تنظيم جوانب الحياة المختلفة بحفظ الأسرار وكتمانها سواء ما يتعلق بالأفراد والدولة وأمر المسلمين بحفظ الأسرار ويقول الرسول(ص) "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود"
ومن بين الأسرار التي أوجب الإسلام المحافظة عليها أسرار المرضى يقول الله تعالى في كتابه العزيز ((والذين لأماناتهم وعهدهم راعون)) ويفهم من هذه الآية الكريمة أنها وصفت من أفلح من الناس بصفات عدة منها تأدية الأمانة التي أوجب الله حفظها وتأديتها إلى أهلها.
والسر هو الأمانة والسر إذا أفشى كان خيانة والخيانة حرام بكل صورها، وإن هذا معروف منذ القدم ويرجع الالتزام بالسر الطبي قديماً إلى أساس أخلاقي إلى ما نص عليه قسم أبقراط من آلاف السنين إذ جاء فيه.
(إن كل ما يصل إلى بصري أو سمعي وقت قيامي بمهمتي أو في غير وقتها مما يمس علاقتي بالناس ويتطلب كتمانه سأكتمه. وسأحتفظ به في نفسي محافظتي على الأسرار)، وجاء أيضاً في إعلان جنيف ما يلي (سأحتفظ على الأسرار التي أأتمن عليها).
إفشاء السر قد يكون في بعض الحالات واجب ومثلما يقال للضرورة أحكام:
الحالة الأولى:
حالة الضرورة:
يرى بعض الفقهاء أن نظرية الضرورة تعد الأساس لإباحة الإفشاء للسر الطبي، حيث توجد ظروف تفرض على الطبيب واجب الإفشاء وعلى ذلك يكون من الضروري للأب أن يعلم سر الحالة الصحية لإبنه ويكون من حق الطبيب أيضاً أن يخبر زوجة المريض بمرض معد تجنباً لضرر أكبر من الضرر الذي ينتج عنه الإفشاء.
فالطبيب الذي يشاهد أحد مرضاه يباشر عملاً ذا خطورة على الغير كطاهي في مطعم أو ممرضة في مستشفى فإنه يجب أن يبادر بنصحه بالامتناع عن العمل فإذا رفض ذلك فلا سبيل أمام الطبيب سوى الإفضاء بالسر لصاحب العمل ما دامت شروط الضرورة قد توفرت.
وتتوافر علة المشروعية عندما ترجح المصلحة في الإفشاء على المصلحة في الكتمان: إذا كانت المصلحة من الإفشاء حماية مصلحة أو حق أجدر بالحماية من الحق الشخصي
الحالة الثانية:
حق الطبيب في كشف السر للدفاع عن نفسه
إن من حق الطبيب كشف السر في نطاق حقه للدفاع عن نفسه عندما يتهم بارتكاب جناية كالإجهاض أو الاغتصاب أو خطأ في العلاج فعليه أن يقدم الاوراق الطبية والمعلومات التي تثبت إصابة المريض بمرض يحول دون ارتكاب الجريمة.
ويكون كشف السر متاحاً للطبيب للدفاع عن نفسه أمام الجهات المختصة كما لا يجوز الكشف عن السر في الصحف مثلاً.
الحالة الثالثة:
رضاء المريض صاحب السر
من الحالات التي يجوز للطبيب أن يفشي فيها السر إذا أذن له صاحب السر وكان الإذن صحيحاً صادراً عن إرادة حرة وإدراك سليم ولم يكن مصدره ناقص الأهلية وكان الإذن صريحاً سواء بالكتابة أو القول
.
أسباب الإباحة المقررة للمصلحة العامة:
الزم القانون
الأطباء إفشاء سر المهنة تحقيقاً للمصلحة العامة سواء استهدف ذلك ما يتعلق بالصحة العامة أو حسن سير العدالة والأصل في السر الطبي كتمانه واستثناء من هذا الأصل يجوز لبعض المصالح العامة والاجتماعية ترجيحها على مصلحة المريض في الكتمان ولذلك أوجب القانون على الطبيب ضرورة المبادرة إلى إبلاغ الجهات الرسمية الصحية المختصة عن اشتباهه في إصابة المريض بأحد الأمراض المعدية أو التناسلية وكذلك التبليغ عن حالات الولادة فأوجبت كل التشريعات أنه يتعين على الطبيب الذي يجري حالات الولادة أن يقوم بالتبليغ عنها في السجل الخاص المعد لذلك بعد ملئ بياناته الضرورية.
كما أوجب القانون على الطبيب تحرير البيانات الخاصة بالأشخاص المتوفين وبيان سبب الوفاة إذا أمكن.
وكذلك مطلوب من الطبيب تحقيق حسن سير العدالة وذلك بالتزامه بأداء الشهادة أمام القضاء إذا تطلب ذلك وقد تكلف المحكمة الطبيب بعمل من أعمال الخبرة، ويحق للطبيب خلافاً للسر الطبي أن يدون معلوماته وملاحظاته عن الحالة ولو كان في ذلك كشف لسر طبيذلك أن الحكمة في أجازة عمل الخبير وعدم مساءلته عن إفشائه يعد ممثلاً للمحكمة وعمله لا يتجزأ عن عملها
د. أطياف إسماعيل
أخصائية نسائية وتوليد